في هذا الكتاب، يقوم د. (مصطفى محمود) بتحليل النصوص المتداولة من التوراة، مع عرض أهم التناقضات التي تحملها، كما يرينا كيف اختلفت كل الطوائف حول مدى صحة التوراة، وكيف تجاوزت التوراة في حق الله سبحانه وتعالى وفي حق الأنبياء والملائكة تجاوزات لا يمكن السكوت عنها، أو القبول بها. وهكذا، فهو يثبت لنا بالأدلة وجود تحريف وتشويه كبير بين سطور التوراة.
يقول (جيمس هنري برستيد) في كتابه (فجر الضمير): "إن التوراة الحالية تضم اقتباسات من الأدب الفرعوني القديم؛ فمزامير (داود) أخذت الكثير من نشيد (إخناتون)، كما ورد في سفر (الأمثال) الكثير مما كتبه الحكيم المصري (أمينيموبي) في وصاياه؛ فمثلًا يقول الحكيم (أمينيموبي): "لا تصاحب رجلًا حاد الطبع، ولا ترغب في محادثته"، ويقول سفر الأمثال: "لا تستصحب غضوبًا، ومع رجل ساخط لا تجيء"، ويقول (أمينيموبي): "الكاتب الماهر في وظيفته سيجد نفسه أهلًا للعمل في رجال البلاط"، ويقول سفر الأمثال: "أرأيت رجلًا مجتهدًا في عمله، أمام الملوك يقف". أما (اكستائن) أعلم علماء المسيحية في القرن الرابع، فيقول: "إن اليهود حرفوا النسخة العبرانية من التوراة، خاصةً ما ورد في بيان زمان الأكابر الذين كانوا قبل الطوفان إلى زمن (موسى)". أما (جان ملنر)، فيقول: "إن أهل العلم اتفقوا على أن نسخ التوراة الأصلية، وكذا نسخ كتب العهد العتيق قد ضاعت من أيدي عسكر (بختنصر)، ولما ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة (عزرا)، ضاعت تلك النقول أيضًا في حادثة (انتيبوكس)".
ويختلف اليهود والسامريون بشأن التوراة؛ فالسامريون لا يعترفون إلا بالأسفار الخمسة الأولى منها، من (آدم) إلى (موسى)، وينكرون باقي الأسفار؛ لأنهم يرونها كمذكرات تروي أحداثًا وقعت لبني (إسرائيل) بعد عهد (موسى) بمئات السنين، وهكذا فلا يصح تضمينها في الكتاب المقدس. كما يختلف المسيحيون في أمر التوراة؛ فالكنيسة البروتستانتية قد حذفت من التوراة أسفار (باروخ) و(طوبيا) و(يهوديت) و(المكابيين الأول) و(المكابيين الثاني) وبعض (استير) وبعض (دانيال)؛ لأنها لا تعترف بهذه الأجزاء، وترى أنها مدسوسة على التوراة، بينما تعترف بها الكنيسة الكاثوليكية. أما المسلمون، فيؤمنون بأن التوراة نزلت على (موسى) بوحي سماوي، ولكن دخل عليها التبديل والتحريف، وهو ما يؤكده القرآن في قوله تعالى: "يكتبون الكتاب بأيديهم، ويقولون هو من عند الله، وما هو من عند الله". وهكذا، فنحن أمام كتاب هو محل شك من جميع الطوائف؛ فكل طائفة قد تحفظت بشأنه على طريقتها.
نرى الله في التوراة يفعل الفعل، ثم يندم عليه، ويختار رسوله، ثم يكتشف أنه أخطأ الاختيار وكأنه لا يدري من أمر نفسه شيئًا، ولا يعرف ماذا يخبئ الغيب؛ فنقرأ في التوراة "وبسط الملاك يده على (أورشليم)؛ ليهلكها، وندم الرب عن الشر، وقال للملاك المهلك الشَّعبَ: كفى! الآن رد يدك"، ونقرأ أيضًا: "ندمت على أني جعلت (شاول) ملكًا؛ لأنه رجع من ورائي، ولم يقم كلامي". أي أن الرب اكتشف أن (شاول) يفعل خطايا من ورائه؛ فندم على جعله ملكًا! فكيف يخطئ الرب ويندم؟ مع أن التوراة ذاتها تقول في سفر (العدد) اصحاح 23: " ليس الله إنسانًا، ولا ابن انسان؛ فيندم"، هو إذن خلط وتناقض تتحمل مسئوليته أقلام بشرية، وليس وحيًا أو تنزيلًا. وبجانب ذلك، نرى الإله في التوراة يدركه التعب إذا اشتغل بعض الوقت؛ فيحتاج إلى الراحة، فنقرأ فيها "في ستة أيام، صنع الرب السماء والأرض، وفي اليوم السابع، استراح وتنفس". كما نرى الله في التوراة ينام ويستيقظ، فنقرأ في سفر (زكريا) الاصحاح الثاني: "اسكتوا يا كل البشر قدام الرب؛ لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه". ولا يمكن قبول هذه اللغة على أنها نوع من المجاز؛ لأنها تتضمن إهانة للذات المقدسة، كما أننا نجد في أسفار التوراة الأولى عبارات تنفي عن الله هذا الخلط والتشويه الذي أُقحِمَ في المواضع الأخرى؛ حيث نقرأ فيها: "إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل، ولا يعيا"، وهنا تلمع التوراة ولآلئها بين أكوام الرديم والدشت.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التوراة تصور الرب في صورة مادية؛ فهو يحب رائحة الشواء التي تتصاعد من الأضاحي على المذبح، كما نقرأ فيها عن ألوان القرابين التي يحبها الرب، كأطباق الفضة التي وزن الواحد منها 130 شاقلًا، وصحون الذهب التي وزن الواحد منها عشرة شواقل، والأبقار والكباش، وكل ذلك يحتفظ به الكهنة لأنفسهم؛ فلا ذكر لأي نصيب يوزع على الفقراء، على الرغم من أنه في سفر (هوشع)، يهتف الرب قائلًا: "إني أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات". ومن الآيات المريبة التي تدّعيها التوراة على الله، ما قالته عن قوس قزح في سفر (التكوين)؛ حيث تزعم التوراة أن الله وضع قوس قزح في السماء بعد طوفان (نوح) كعلامة تذكره بألا يعود؛ فيغرق الأرض بطوفان آخر إلى قيام الساعة. وبصرف النظر عن كون قوس قزح ظاهرة طبيعية قديمة موجودة منذ أن وجدت الشمس في السماء، ولكن هل يحتاج الله لوضع علامة لتذكير نفسه، وهو الكامل كلي القدرة؟ وبالإضافة إلى ذلك، فإن الإله في التوراة إله عنصري متحيز لا يعرف من مخلوقاته إلا بني (إسرائيل)، ولا يفكر إلا في مصلحة (إسرائيل)، وهو يعدهم في التوراة أنه سيجعل باقي الشعوب والأمم يلحسون غبار نعل حذاء (إسرائيل) في آخر الزمان، كما يعدهم أنه سيحارب (يأجوج) و(مأجوج) حينما ينزلون من الشمال لغزو (إسرائيل)؛ فيتصدى لهم، ويفنيهم. وهكذا، فالرب متفرغ لـ (إسرائيل)؛ يحارب لها، ويدافع عنها، ويُسقِط أعداءها، ويسوق الأمم؛ لتلحس نعالها، وتسف ترابها.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان